فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

سورة الشمس:
{وَالشَّمْسِ وضحاها (1)}
في تلك الآيات العشر يقسم الله تعالى سبع مرات بسبع آيات كونية، هي الشمس، والقمر، والليل، والنهار، والسماء، والأرض، والنفس البشرية، مع حالة لكل مقسم به، وذلك على شيء واحد، وهو فلاح من زكى تلك النفس وخيبة من دساها، ومع كل آية جاء القسم بها توجيهاً إلى أثرها العظيم المشاهد الملموس، الدال على القدرة الباهرة.
وذلك كالآتي أولاً: {والشمس وضحاها} [الشمس: 1] فالشمس وحدها آية دالة على قدرة خالقها، لما فيها من طاقة حرارية في ذاتها تفوق كل تقدير، وهي على الزمان بدون انتقاص، فهي في ذاتها آية.
ثم جاء وصف أثرها وهو: {ضحاها}، وهو انتشار ضوئها ضحوة النهار، وهذا وحده آية، لأن نتيجة لحركتها، وحركتها آية من آيات الله كما قال تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز العليم} [يس: 37-38]، وهي الآية التي حاج بها إبراهيم عليه السلام نمروذ في قوله: {فَإِنَّ الله يَأْتِي بالشمس مِنَ المشرق فَأْتِ بِهَا مِنَ المغرب فَبُهِتَ الذي كَفَرَ} [البقرة: 258].
ففي هذا السير قدرة باهرة ودقة متناهية، و{ضحاها}: نتيجة لهذا السير، ثم ضحاها نعم جزيلة على الكون كله، من انتشار في الأرض وانتفاع بضوئها وأشعتها.
وقد قالوا: لو اقتربت درجة أو ارتفعت درجة لما استطاع أحد أن ينتفع منها بشيء، لأنها تحرق باقترابها، ويتجمد العالم من بعدها، ذلك تقدير العزيز العليم.
فالضحى وحده آية وهو حرها كقوله: {وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تضحى} [طه: 119]، أي بحرّ الشمس، وقد أقسم تعالى بالضحى وحده في قوله تعالى: {والضحى والليل إِذَا سجى} [الضحى: 1-2].
وقوله: {والقمر إِذَا تلاها} [الشمس: 2]، فهو كذلك القمر وحده آية، وكذلك تلوه للشمس ونظام مسيره بهذه الدقة، وهذا النظام فلا يسبقها ولا تفوته: {لاَ الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر وَلاَ الليل سَابِقُ النهار وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].
وفي قوله تعالى: {إِذَا تلاها} أي تلا الشمس، دلالة على سير الجميع، وأنها سابقته وهو تاليها.
فقيل: تاليها عند أول الشهر تغرب، ويظهر من مكان غروبها.
وقد قال بعض أهل الهيأة: تاليها في منزلة الحجم، أي كبرى وهو كبير بعدها في الحجم، وفيه نظر.
ولا يخفى ما في القمر من فوائد للخليفة، من تخفيف ظلمة الليل، وكذلك بعض الخصائص على الزرع، وأهم خصائصه بين الشهور بتقسيم السنة ومعرفة العبادات من صوم، وحج، وزكاة، وعدد السناء، وكفارات بصوم، وحلول الديون، وشروط المعاملات، وفي كل ما له صلة بالحساب في عبادة أو معاملة.
وقد جاء القسم بالقمر في المدثر في قوله: {كَلاَّ والقمر والليل إِذْ أَدْبَرَ} [المدثر: 32-33] الآية، وقوله: {والقمر إِذَا اتسق} [الانشقاق: 18]، ما يدل على عظمة آيته ودقة دلالته.
وقوله: {والنهار إِذَا جلاها} [الشمس: 3]، والنهار هو أثر من آثار ضوء الشمس.
وجلالها. قيل: الضمير فيه راجع للشمس كما في الذي قبله، ولكن اختار لبن كثير أن يكون راجعاً للأرض، أي كشفها وأوضح كل ما فيها ليتيسر طلب المعاش والسعي، كقوله: {هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الليل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ والنهار مُبْصِراً} [يونس: 67]، وقوله: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الليل لِبَاساً والنوم سُبَاتاً وَجَعَلَ النهار نُشُوراً} [الفرقان: 47].
وقد أقسم تعالى بالنهار إذا تجلى: أي ظهر ووضح بدون ضمير إلى غيره في قوله تعالى: {والليل إِذَا يغشى والنهار إِذَا تجلى} [الليل: 1-2]، أي في مقابلة غشاوة الليل يكون يتجلي النهار.
وقد بين تعالى عظم آية النهار وعظم آية الليل، وأنه لا يقدر على الإتيان بهما إلا الله، كما في قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ الليل سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النهار سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ} [القصص: 71: 72].
وقوله: {والليل إِذَا يغشاها} [الشمس: 4]، قالوا يغشى الشمس فينحجب ضياؤها، والكلام على الليل، كالكلام على النهار، من حيث الآية. والدلالة على قدرته تعالى.
وتقدمت النصوص الكافية وسيتي الإقسام بالليل في قوله: {والليل إِذَا يغشى} [الليل: 1]، أي يغشى الكون كله، كما في قوله: {والليل وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17]، أي جمع واشتمل بظلامه.
والضمير في {يغشاها}: راجع إلى الشمس، وعليه.
قيل: إن الإقسام في هذه الأربعة راجع كله إلى الشمس في حالات مختلفةن في ضحاها ثم تجليها، ثم تلو القمر لها، ثم يغشيان الليل إياها، وهنا سؤال: كيف يغشى الليل الشمس، مع أن الليل وهو الظلمة نتيجة لغروب الشمس عن الجهة التي فيها الليل؟
فقيل: إن الليل يغطي ضوء الشمس، فتتكون الظلمة، والواقع خلاف ذلك. وهو أن الشمس ظاهرة وضوؤها منتشر، ولكن في قسم الأرض المقابل للظلمة الموجودة، كما أن الظلمة تكون في القسم المقابل للنهار، وهكذا.
ولذا قال ابن كثير: إن الضمير في {يغشاها} و{جلاها} راجع إلى الأرض، إلا أن فيه مغايرة في مرجع الضمير، والله تعالى أعلم.
قووله: {والسماء وَمَا بناها} [الشمس: 5].
قيل: {ما}، بمعنى الذي، وجيء بها بدلاً عن من، التي لأولى العلم، لإشعارها معنى الوصفية، أي {والسماء} والقادر الذي {بناها}، وكذلك ما بعدها في {الأرض}، {وما طحاها} {ونفس}، والحكيم العليم الذي {سواها}، و{ما} مشترك بين العالم وغيره، كقوله: {وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} [الكافرون: 3]، ومثله {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النساء} [النساء: 3].
وتقدم مراراً أحوال السماء في بنائها ورفعها، وجعلها سبعاً طباقاً، وقد بين في تلك النصوص كيفية بنائها، وأنه سبحانه وتعالى بناها بقوة، كما في قوله تعالى: {والسماء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47]، أي بقوة، وقوله تعالى: {والأرض وَمَا طحاها} [الشمس: 6] مثل {دحاها}.
وقالوا: إبدال الدال طاء مشهور، وطحا تأتي بمعنى خلق، ويمعنى ذهب في كل شيء، فمن الأول:
وما تدري جذيمة من طحاها ** ولا من ساكن العرش الرَّفيع

ومن الثاني قول علقمة:
طحا بك قلب في الحسان طروب ** يعيد الشباب عصر حان مشيب

ولا منافاة في ذلك بأنه تعالى خلقها ومدها، وذهب بأطرافها كل مذهب، أي في مدها.
تنبيه:
قالوا: ذكر {السماء وما بناها}، للدلالة على حدوثها، وبالتالي على حدوث الشمس والقمر، وأن تدبيرهما لله.
وقوله: {وَنَفْسٍ وَمَا سواها فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وتقواها} [الشمس: 7-8]، قالوا: النفس تحمل كامل خلقة الإنسان بجسمه وروحه وقواه الإنسانية، من تفكير وسلوك... إلخ.
وقيل: النفس هنا بمعنى القوى المفكرة المدركة مناط الرغبة والاختيار، وعليه فذكر النفس بالمعنى الأول، تكون تسويتها في استواء خلقتها وتركيب أعضائها، وهي غاية في الدلالة على القدرة والكمال والعلم، كما في قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]، وقال: {وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21]، أي من أعضاء وأجزاء وتراكيب وعدة أجهزة تبهر العقول في السمع، وفي البصر، وفي الشم، وفي الذوق، وفي الحس، ومن داخل الجسم ما هو أعظم، فحق أن يقسم بها.
{وما سواها}: اي بالقدرة الباهرة، والعلم الشاملز وذكرها بالمعنى الثاني، فإنه في نظري أعظم من المعنى الأول، وذلك أن القوى المدركة والمفكرة والمقدرة للأمور التي لها الاختيار، ومنها القبول والرفض والرضى والسخط والأخذ والمنع، فإنها عالم مستقل.
وإنها كما قلنا أعظم مما تقدم، لأن الجانب الخلقي قال تعالى فيه: {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} [غافر: 57]، ولكن في هذا الجانب قال: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب: 72].
ومعلوم أن بعض أفراد الإنسان حملها بصدق واداها بوفاء، ونال رضى الله تعالى رضي الله عنهم ورضوا عنه.
فهذه النفس في تسويتها لتلقى معني الخير والشر، واستقبال الإلهام الإلهي للفجور، والتقوى أعظم دلالة على القدرة من تلك الجمادات التي لا تبدي ولا تعيد، والتي لا تمسك سلباً ولا إيجاباً.
وهنا مثال بسيط فيما استحدث من آلات حفظ وحساب، كالآلة الحاسبة والعقل الألكتروني، فإنها لا تخطئ كما يقولون، وقد بهرت العقول في صفتها، ولكن بنظرة بسية نجدها أمام النفس الإنسانية كقطرة من بحر.
فنقول: إنها أولاً من صنع هذه النفس ذات الإدراك النامي والاستنتاج الباهر.
ثانياً: هي لا تخطئ لأنها لا تقدر أن تخطئ، لأن الخطأ ناشئ عن اجتهاد فكري، وهي لا اجتهاد لهما، إنما تشير وفق ما رسم لها كالمادة المسجلة في شريط، فإن المسجل مع دقة حفظه لها فإنه لا يقدر أن يزيد ولا ينقص حرفاً واحدًا.
أما الإنسان فإنه يغير ويبدل، وعندما يبدل كلمة مكان كلمة، فلقدرته على إيجاد الكلمة الأخرى، أو لاختياره ترك الكلمة الأولى.
وهكذا هنا، فالله تعال هنا خلق تلك النفس أولاً، ثم سواها على حال تقبل تلقي الإلهام بقسيمة: الفجور والتقوى، ثم تسلك أحد الطريقين، فكأن مجيء القسم بها بعد تلك المسميات دلالة على عظم ذاتها وقوة دلالتها على قدرة خالقها، وما سواها مستعدة قابلة لتلقي إلهام الله إياها.
تنبيه:
وفي مجيئها بعد الآيات الكونية. من شمس وقمر وليل ونهار، وسماء وأرض، لفت إلى وجوي التأمل في كل المخلوقات، يستلهم منها الدلالة على قدرة خالقها والاستدلال على تغير الأزمان، وحركة الأفلاك، وأحداث السماء بالبناء أنه لابد لهذا العالم من صانع، ولابد للمحدث المتجدد من فناء وعدم.
كما عرض إبراهيم عليه السلام على النمروذ نماذج الاستدلال على الربوبية والألوهية، فأشار إلى الشمس أولاً، ثم إلى القمر، ثم انتقل به إلى الله سبحانه.
وقوله: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وتقواها} [الشمس: 8]، إن كان ألهمها بمعنى هداها وبين لها، فهو كما في قوله: {وَهَدَيْنَاهُ النجدين} [البلد: 10]، وقوله: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل} [الإنسان: 3]، وهذا على الهداية العامة، التي بمعنى الدلالة والبيان.
وإن كان بمعنى التيسير والإلزام، ففيه إشكال القدر في الخير والاختيار.
وقد بحث هذا المعنى الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب بحثاً وافياً.
قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها وَقَدْ خَابَ مَن دساها} [الشمس: 9-10].
هذا هو جواب القسم فيما تقدم، فالواو قد حذفت منه اللام لطول ما بين المقسم به والمقسم عليه.
وقد نوه عنه الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه عند الكلام على قوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار} [ص: 64]، من سورة ص، وأنهم استدلوا لهذه الآية عليه.
والأصل: لقد أفلح، فحذفت اللام لطول الفصل، و{زكاها} بمعنى طهَّرها، وأول ما يطهرها منه دنس الشرك ورجسه، كما قال تعالى: {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} [التوبة: 28]، وتطهيرها منه بالإيمان ثم من المعاصي بالتقوى، كما في قوله تعالى: {فَلاَ تزكوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتقى} [النجم: 32]، ثم بعمل الطاعات {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى} [الأعلى: 14-15].
واختلف في مرجع الضمير في {زكاها} و{دساها}، وهو يرجع إلى اختلافهم في {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وتقواها} [الشمس: 8]، فهل يعود إلى الله تعالى، كما في {وَنَفْسٍ وَمَا سواها} [الشمس: 7]، أم يعود على العبد.
ويمكن أن يستدل لكل قول ببعض النصوص. فمما يستدل به للقول الأولى قوله تعالى: {بَلِ الله يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء: 49]، وقوله: {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أحد أَبَداً} [النور: 21]، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول عند هذه الآية: «اللَّهم آت نفسي تقواها وزكها، أنت خير من زكاها، وأنت وليها ومولاها».
ومما استدل به للقول الثاني فكقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى} [الأعلى: 14-15]، وقوله: {وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ وَإِلَى الله المصير} [فاطر: 18]، وقوله: {فَقُلْ هَل لَّكَ إلى أَن تزكى وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فتخشى} [النازعات: 18-19]، وقوله: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى} [عبس: 3]، وكلها كما ترى محتملة، والإشكال فيها كالإشكال فيما قبلها.
والذي يظهر والله تعالى أعلم: أن الجمع بين تلك النصوص كالجمع في التي قبلها، وأن ما يتزكى به العبد من إيمان وعمل في طاعة وترك لمعصية، فإنه بفضل من الله، كما في قوله تعالى المصرح بذلك {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أحد أَبَداً} [النور: 21].
وكل النصوص التي فيها عود الضمير أو إسناد التزكية إلى العبد، فإنها بفضل من الله ورحمة، كما تفضل عليه بالهدى والتوفيق للإيمان، فهو الذي يتفضل عليه بالتوفيق إلى العمل الصالح. وترك المعاصي، كما في قولك (لا حول ولا قوة إلا بالله) وقوله: {فَلاَ تزكوا أَنفُسَكُمْ} [النجم: 32]، وقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 49]، إنما هو بمعنى المدح والثناء، كما في قوله تعالى: {قَالَتِ الأعراب آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولكن قولوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]، بل إن في قوله تعالى: {بَلِ الله يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء: 49]، الجمع بين الأمرين، القدري والشرعي، {بَلِ الله يُزَكِّي مَن يَشَاءُ} بفضله، {وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} بعدله. والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بطغواها إِذِ انبعث أشقاها فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله نَاقَةَ الله وسقياها فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا}.
{ثمود} اسم للقبيلة أسند إليها التكذيب، أي بنبي الله صالح، و{أشقاها} هو عاقر الناقة أسند الانبعاث له وحه بين ما جاء بعده، {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} [الشمس: 14]، فأسند العقر لهم.
وقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه الجمع بين ذلك في سورة الزخرف، ومضمونه أنهم متواطئؤون معه كما في قوله: {فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فتعاطى فَعَقَرَ} [القمر: 29]، فكانوا شركاء له في عقرها كما قال الشاعر:
والسامع الذم شريك لقائه ** ومطعم المأكول شريك للآكل

وفي قصة أبي طلحة في صيد الحمار الوحشي، سالهم النَّبي صلى الله عليه وسلم وهم محرومون للعمرة «هل دله عليه منكم أحد؟ قالوا: لا، قال: هل عاونه عليه منكم أحد؟ قالوا: لا، قال: فكلوا إذاً»، لأن مفهومه: لو عاونوا أو دلوا لكانوا شركاء في صيده، فيحرم عليهم لقوله تعالى: {لاَ تَقْتُلُواْ الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]، وبعدم اشتراكهم حل لهم، فلو عاونوا أو شاركوا لحرّم عليهم، وهنا لما كانوا راضين ونادوه وتعاطى سواء عهودهم أو عطاؤهم أو غير ذلك فعقرها وحده، كان هذا باسم الجميع، فكانت العقوبة باسم الجميع، ويؤخذ من هذا قتل الجماعة بالواحد، وعقوبة الربيئة مع الجاني، والله تعالى أعلم. اهـ.